اسم الکتاب : تفسير الخازن لباب التأويل في معاني التنزيل المؤلف : الخازن الجزء : 1 صفحة : 140
وقال ابن عباس أشركتم مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ أي الدلالات الواضحات فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ أي في نقمته ممن خالفه غالب لا يعجزه شيء حَكِيمٌ يعني أنه لا ينتقم إلّا بحق والحكيم ذو الإصابة في الأمور كلها وفي الآية وعيد وتهديد لمن في قلبه شك ونفاق، أو عنده شبهة في الدين قوله عز وجل:
[سورة البقرة (2): الآيات 210 الى 211]
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210) سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (211)
هَلْ يَنْظُرُونَ أي ينتظرون التاركون الدخول في السلم والمتبعون خطوات الشيطان إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ جمع ظلة مِنَ الْغَمامِ يعني السحاب الأبيض الرقيق سمي غماما لأنه يغم ويستر وقيل هو شيء غير السحاب ولم يكن إلّا لبني إسرائيل في تيههم وهو كهيئة الضباب الأبيض وَالْمَلائِكَةُ أي وتأتيهم الملائكة.
وروى الطبري في تفسيره بسند متصل عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من الغمام طاقات يأتي الله عزّ وجلّ فيها محفوظا، وذلك قوله تعالى هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ قال عكرمة: والملائكة حوله وقيل معناه حول الغمام وقيل حول الرب تبارك وتعالى. واعلم أن هذه الآية من آيات الصفات وللعلماء في آيات الصفات وأحاديث الصفات مذهبان أحدهما وهو مذهب سلف هذه الأمة وأعلام أهل السنة: الإيمان والتسليم لما جاء في آيات الصفات وأحاديث الصفات، وأنه يجب علينا الإيمان بظاهرها ونؤمن بها كما جاءت ونكل علمها إلى الله تعالى وإلى رسوله صلّى الله عليه وسلّم مع الإيمان، والاعتقاد بأن الله تعالى منزه عن سمات الحدوث وعن الحركة والسكون. قال الكلبي: هذا من الذي لا يفسر وقال سفيان بن عيينة: كل ما وصف الله به نفسه في كتابه فتفسيره قراءته والسكوت عليه ليس لأحد أن يفسره إلّا الله ورسوله. وكان الزهري والأوزاعي ومالك وابن المبارك وسفيان الثوري والليث بن سعد وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه يقولون في هذه الآية وأمثالها اقرءوها كما جاءت بلا كيف ولا تشبيه ولا تأويل هذا مذهب أهل السنة ومعتقد سلف الأمة، وأنشد بعضهم في المعنى:
عقيدتنا أن ليس مثل صفاته ... ولا ذاته شيء عقيدة صائب
نسلم آيات الصفات بأسرها ... وأخبارها للظاهر المتقارب
ونؤيس عنها كنه فهم عقولنا ... وتأويلنا فعل اللبيب المغالب
ونركب للتسليم سفنا فإنها ... لتسليم دين المرء خير المراكب
(المذهب الثاني) وهو قول جمهور علماء المتكلمين، وذلك أنه أجمع جميع المتكلمين من العقلاء والمعتبرين من أصحاب النظر على أنه تعالى منزه عن المجيء والذهاب، ويدل على ذلك أن كل ما يصح عليه المجيء والذهاب لا ينفك عن الحركة والسكون وهما محدثان، وما لا ينفك عن المحدث فهو محدث، والله تعالى منزه عن ذلك فيستحيل ذلك في حقه تعالى فثبت بذلك أن ظاهر الآية ليس مرادا، فلا بد من التأويل على سبيل التفصيل، فعلى هذا قيل في معنى الآية هل ينظرون إلّا أن يأتيهم الله الآيات فيكون مجيء الآيات مجيئا لله تعالى على سبيل التفخيم لشأن الآيات وقيل معناه إلّا أن يأتيهم أمر الله ووجه هذا التأويل أن الله تعالى فسره في آية أخرى فقال: هل ينظرون إلّا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك، فصار هذا الحكم مفسرا لهذا المجمل في هذه الآية. وقيل: معناه يأتيهم الله بما أوعد من الحساب والعقاب فحذف ما يأتي به تهويلا عليهم إذ لو ذكر ما يأتي به كان أسهل عليهم في باب الوعيد، وإذا لم يذكر كان أبلغ وقيل يحتمل أن تكون الفاء بمعنى الباء لأن
اسم الکتاب : تفسير الخازن لباب التأويل في معاني التنزيل المؤلف : الخازن الجزء : 1 صفحة : 140